أركان الإيمان أركان الإيمان هي الأسس والرّكائز الأساسيّة التي
يقوم عليها بناء المجتمع الإيمانيّ والعقيدة الإيمانيّة الصّحيحة عند المسلم، حيث تتعلّق تلك الأركان باعتقادات المُؤمن، بناءً على ما ورد من أخبار صادقة بخصوصها، وقد اتُّفق في بعض تلك الأركان مع باقي الشرائع السماويّة، حيث جاء الرّسل جميعاً بأهمّ ركنٍ من تلك الأركان، وهو توحيد الله وتنزيهه عن الشّريك والمثيل، وعليه قامت دعوتهم لأقوامهم حيث دعوهم للإيمان بها، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ).[١] وإيمان المؤمن لا يكون صحيحاً أو كاملاً إلا في حال اعتقد اعتقاداً جازماً لا يدخله أيّ شكّ بجميع هذه الأركان، فإن اعتقد بعدم ثبوت أحدها فإنّ في إيمانه لُبس وخلل يجب عليه تصحيحه قبل الوقوع في المحضور، وقد جاء ذكر تلك الأركان في مواضع كثيرة في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الصّحيحة، ومن ذلك ما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من قصة مجيء جبريل بهيئة بشر إلى مجلس النبيّ وسؤاله بعض الأسئلة عن حقيقة الإيمان والإسلام والإحسان، حيث قال أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: (بينما نحن عند رسول الله عليه الصّلاة والسّلام ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثّياب شديد سواد الشّعر، لا يُرَى عليه أثر السّفر، ولا يعرفه منّا أحد، حتى جلس إلى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، فاسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وتُقيم الصّلاة، وتُؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت. قال: فعجبنا له، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتُؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك. قال: فأخبرني عن السّاعة، قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السّائل. قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أن تلد الأَمَة رَبَّتها، وأن ترى الحُفاة العُراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. قال: ثم انطلق، فلبثت مليّاً. ثم قال لي: يا عمر: أتدري من السّائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّه جبريل أتاكم يُعلّمكم دينكم).[٢] معنى الإيمان الإيمان لغةً الإيمان لغةً: مصدر آمن يُؤمن إيماناً فهو مُؤمن، وهو من الأمن الذي هو ضدّ الخوف، فالإيمان مُشتقٌّ من الأمن الذي يعني الاستقرار والطّمأنينة،[٣]ويُعرَّف الإيمان لغةً بعددٍ من التّعريفات منها: التّصديق، والثّقة، والطّمأنينة، والإقرار. وقد استعمل لفظ الإيمان عند العرب بطريقين هما:[٣] الإيمان بمعنى التّأمين: أي إعطاء الأمان، فمعنى آمنته من شيء: ضد أخفته، ومن ذلك قوله تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف)،[٤] فهو هنا ضدّ الخوف. وجاء في الحديث الشريف قول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: (النُّجومُ أَمَنَةُ السَّماءِ، فإذا ذهَبَتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعَدُ، وأنا أَمَنَةٌ لِأصحابي فإذا أنا ذهَبْتُ أتى أصحابي ما يُوعَدونَ، وأصحابي أَمَنَةٌ لِأُمَّتي فإذا ذهَب أصحابي أتى أُمَّتي ما يُوعَدونَ)، والمقصود بقوله: أمنة أي حافظ وحامٍ وحارس من وقوع المخاطر والمصائب، وكذلك في قوله عز وجل: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)،[٥] قال أبو إسحاق: (أراد ذا أمن فهو آمن وأمن وأمين أي الآمن). الإيمان بمعنى التّصديق: من ذلك قول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)،[٦] أي: لست بمُصدّقٍ لنا حتّى لو كنا صادقين في ادّعائنا وقولنا. الأصل في الإيمان أن يدخل المُؤمن في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها بأنّه أتى بها على حقيقتها، فإذا اعتقد التّصديق بقلبه وعقله كما صدّق بلسانه ونطقه فقد أدّى الأمانة، ويُسمّى حينها مُؤمناً، ومن لم يعتقد بذلك فإنّه لم يُؤدّ الأمانة التي ائتمنه الله عليها. الإيمان اصطلاحاً جاء في تعريف الإيمان اصطلاحاً مجموعة تعريفات، منها: الإيمان عند أهل السُنّة والجماعة: هو قولٌ باللّسان واعتقادٌ بالقلب وعملٌ بالجوارح يزيد وينقص.[٧] عرَّفه الحنفيّة بأنّه: قولٌ باللّسان واعتقاد بالجِنان.[٨] عرَّفه بعض علماء الفرق الأخرى كالكراميّة: بأنّه مُجرّد قولٍ باللّسان.[٨] عرَّفه الأشاعرة بأنّه: اعتقادٌ بالقلب فقط.[٨] عرَّفته الجهميّة بقولهم: هو المعرفة بالقلب فقط.[٨] أركان الإيمان جاء ذكر أركان الإيمان في كتاب الله عزّ وجل وسُنّة رسوله -عليه الصّلاة والسّلام- في مواضع كثيرة، ومن تلك الآيات والأحاديث قوله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)،[٩] وقوله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،[١٠] فقد حصر الله عزّ وجل أركان الإيمان في التّصديق الجازم بهذه الأمور، بالإضافة إلى ما نصّت عليه السُنّة النبويّة ولم يرد في هذه الآيات، وعليه يُسمّى من آمن بجميع هذه الأركان مُؤمناً حقيقةً، ويُسمّى من كفر بها أو بواحدٍ منها كافراً،[١١] حيث قال الله سبحانه وتعالى في سورة النساء: (وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)،[١٢] وقال عليه الصّلاة والسّلام في الحديث الصّحيح حين جاء جبريل عليه السّلام وسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، وفيه: ( ... قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتُؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت ... )،[١٣] وبيان هذه الأركان فيما يأتي: الإيمان بالله يجب أن يشتمل الإيمان بالله على الإيمان الذي هو التّصديق والاعتقاد الجازم بأنّه الله سبحانه وتعالى موجود، وأنّه هو الخالق والمُدبّر لكل أمر، والإيمان بربوبيَّته سبحانه وتعالى وألوهيَّته، والإيمان بجميع أسمائه وصفاته التي وردت في القرآن الكريم أو السُنّة النبويّة، وأنَّه جَلّ وعلا يتَّصف بجميع صفات الكمال التي تليق به، وأنّه مُنَزَّهٌ عن كلِّ نقص يرد إلى غيره من البشر أو غيرهم، فيجب توحيد الله وتقديسه بربوبيَّته وألوهيَّته وأسمائه وصفاته، ويعني توحيد الربوبية: الإقرارُ بأنَّ الله واحدٌ بأفعاله، لا شريك له فيها، فليس غيره خالقاً، وليس غيره رازقاً، وليس غيره مُحيياً وليس غيره مُميتاً، وأنّ بيده وحده تدبير الأمور والتصرّف في الكون، وغير ذلك مِمَّا يتعلَّق بربوبيَّته سبحانه وتعالى. أمّا توحيد الألوهيَّة فيعني أن يُوحّد المُؤمن الله جَلّ وعلا ويفرده بالعبادة والتقرّب، كالدّعاء، والخوف، والالتجاء، والتوكُّل، والاستعانة، والاستعاذة، والذَّبح (المقصود به التقرّب كالنَّذر)، وغيرها من أنواع العبادة التي يجب إفراد المولى عزّ وجلّ بها، فلا يُصرَف منها شيء لغير الله، ولو كان ملَكاً أو نبيّاً أو غير ذلك. أمَّا توحيد الأسماء والصّفات فيقصد بها أن يُثبت المُؤمن لله كلِّ ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه، أو ثبت له بطريق الوحي الذي حدث عنه رسوله المُصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- من الأسماء والصّفات، وذلك يكون على وجهٍ يليق بجلاله، وتُنزِّهه عن كلِّ ما لا يليق به من صفات النقص،[١٤] حيث قال الله عزَّ وجلَّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).[١٥] الإيمان بالملائكة يتضمّن الإيمان بالملائكة أن يؤمن الفرد بأنّ الملائكة خلقٌ من مخلوقات الله، خلقهم الله لطاعته وإنفاذ أوامره لا يعصون الله أبداً، وهو بأمره مُلتزمون، وأنّ من الملائكة من هم مُوكَلون بحمل عرش الله، ومنهم من هم مُوكَولون بالجنّة والنّار، ومنهم من أُوكِل إليهم حفظ أعمال العباد وتسجيل الأجر والإثم بناءً عليها، ومن الإيمان بهم أيضاً أن يُؤمن العبد بما ورد من أسمائهم عن الله أو رسوله، ومنها جبريل، وميكائيل، ومالك خازن النَّار، وإسرافيل المُوكَل بالنّفخ في الصّور، وغيرهم مما جاء فيه نصٌ ثابت، وأنّ الموت عليهم جائزٌ، ولكن الله أخّرهم لأجلٍ هو أعلم به.[١٦] الإيمان بالكتب السماويّة يجب على المُؤمن التّصديق بجميع الكتب التي بعث بها الأنبياء والمرسلون، والإيمان الجازم بها جميعها على أصلها الأول الذي نزلت فيه، ولا يكفي التّصديق الجازم في القرآن الكريم بالذّات، بل لا بدّ من الأخذ به والعمل بما نزل فيه وترك ما نُهي عنه،[١٧] لقوله تعالى: (المص - كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ).[١٨] الإيمان بالرسل والأنبياء جميعهم يقتضي ذلك التّصديق والإيمان الجازم والاعتقاد اليقينيّ بأن الله سبحانه وتعالى قد بعث في كلّ أمّة رسولاً ليدعوهم ويهديهم إلى عبادة الله وحده، وأنّه لا شريك له، ويأمرهم بالكفر بما يعبدون من دونه، وأنّ جميع الرّسل والأنبياء الذين بعثهم الله صادقون أتقياء أُمناء هَداة مهتدون، أيّدهم الله سبحانه وتعالى بالبراهين والمُعجزات والدّلائل الظّاهرة والآيات الدالّة على صدق رسالتهم، وأنّهم أدّوا وبلّغوا جميع ما طُلِبَ منهم، وجميع ما بُعِثوا لأجله من الله سبحانه وتعالى، وأنّهم لم يكتموا منه حرفاً واحداً، ولم يُغيّروا فيه شيئاً ولو شطر كلمة، ولم يزيدوا فيه شيئاً من عند أنفسهم حتى لو كان قليلاً، وأنّهم جميعاً أنبياء الله ورسله، ليس فيهم من دعا إلى عبادة نفسه من دون الله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته التي ألقاها إلى مريم.[١٩] الإيمان باليوم الآخر يقتضي ذلك الإيمان والاعتقاد بأنّ كلّ ما أخبر عنه النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وثبتت صحّته بخصوص اليوم الآخر ممّا يكون بعد الموت من عذاب القبر إلى البعث والنّشور، ثم الجنّة والنّار، إنما هو واقعٌ لا بدّ منه، وقد ثبت ذلك بنصوص القرآن الصّريحة أو بالسُنّة الصّحيحة.[٢٠] الإيمان بالقدر القدر هو كل ما قدَّرَه الله تعالى وقضاه على عباده جميعاً في علمه الأزليّ ممّا لا يملكون ولا يستطيعون صرفه عن أنفسهم أو دفعه عنهم أو عمّن يُحبّون، فيجب الإيمان والاعتقاد اليقينيّ الذي لا شكّ فيه بأنّ كل ما قضاه الله سبحانه وقَدَره إنّما كان بحكمه وعلمه وتيسيره وتوفيقه وتدبيره، وأنّ كلّ ما أصاب العبد فإنّما هو بتقديرٍ من الله وإرداةٍ منه عزّ وجلّ.[٢١]
حب النبي محمدﷺ نبض حياتنا مقال جميل يحكي عن تأثير المحبة على المحبّ، وبعض صور محبة النبي ﷺ، كما يكشف عن سبب تخلف الأمة الإسلامية.
ردحذفنبض