الوشم
من مظاهر تكريم الله -تعالى- للإنسان أن جعله بأحسنِ صورةٍ، وأتمَّ خَلقه، وجعل خلق الإنسان معجزةً من حيث التكوين، والشكل، وجعل هيئته خاصةً به دون سائر المخلوقات، ووهبه عقلاً راجحاً، وفِكراً سليماً، ليُحسِن استغلال تلك الخِلقة، ولا يسيء التصرّف بها، فإن فعل ما يُناقِض ذلك فأضرّ بنفسه أو ظلمها، فقد يُعاقَب على ذلك، حيث جاءت عدّة نصوص شرعيّة لمنع ما يمسُّ النفس البشريّة بأيّ ضرر، ومن مظاهر الإضرار بالخِلقة التي خلقها الله -تعالى- لبني آدم وشم الجسم بالرسومات المختلفة أو التصاميم، ففيه تغيير الصورة التي أوجد الله عليها البشر، فما هو الوشم، وما حُكمه الشرعيّ، وهل يؤدّي إلى إلحاق الضرر بالشخص، أم لا؟
معنى الوَشم للوشم عدّة معانٍ، وقبل التعرّف على حُكمه الشرعي فلا بدّ من بيان المقصود منه؛ فالحكم على الشّيء فرع من تصوّره، وفيما يأتي بيان معاني الوشم لُغةً واصطلاحاً: الوشم لُغةً: اسم، وجمعه: وِشام ووُشُوم، ويُراد به ما يكون من غرز الإبرة في البدن، وذرِّ النّيلج عليه حتى يزرقّ أثره، أو يخضَرّ، ويُعرَّف أيضاً بأنّه: تغيُّر لون الجلد من ضربةٍ أو سقطةٍ، ويُطلَق أيضاً على العلامة التي تكون على الجسد،
[١] والنّيلج هو الصبغة الزرقاء التي تُستخرج من ورق نبات النّيل.
[٢] الوشم اصطلاحاً: أن يُغرَز العضو بإبرة حتّى يسيل الدم منه، ثمّ يُملَأ المكان المغروز بمادّة الكُحل، أو النورة، أو المداد، فيُصبح لون الجلد أخضر أو أزرق.
[٣] حُكم الوشم في الإسلام ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بحُرمة الوشم، استناداً إلى الحديث الصحيح التي ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في لعن الواشمة والمُستوشِمة، الذي رواه ابن عمر -رضي الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال: (لعَنَ اللَّهُ الواصلةَ والمُستوصِلةَ، والواشمةَ والمُستوشِمة)،
[٤] وقد عدَّ بعض فقهاء المالكيّة، وبعض فقهاء الشافعيّة الوشم من الكبائر التي يُلعَن فاعلها، وذهب بعض متأخِّري المذهب المالكيّ إلى القول بكراهة الوشم لا تحريمه، وقال النفراويّ: إنّ حكم الكراهة يُحمَل على التّحريم.
[٥] وقد استثنى بعض الفقهاء حالتين من حُرمة الوشم، هما:[٥] إذا كان القصد من الوشم التداوي من مرض، فإنّه في هذه الحالة يجوز وضعه والتوشّم به؛ لأنّ القاعدة الفقهيّة تنصُّ على أنّ الضّرورات تُبيح المحظورات، وقد أباحت الضرورة هنا الوشم لأجل الاستشفاء أو التداوي. إذا كان القصد من الوشم تزيّن المرأة لزوجها، ويكون ذلك بإذنه. أنواع الوشم للوشم أنواع عدّة، يختلف الحكم الفقهيّ بناءً عليها، وفيما يأتي بيان ذلك مع بيان الحكم الفقهي لكلّ نوع:
[٦] الوشم الثابت: هو آثار وخز الجلد بالإبرة، وملئِه بالكحل أو أيّ مادة أخرى، وحُكمه التحريم. الوشم المُؤقّت: هذا النوع يُقسَم إلى قسمين، هما: وشم مؤقّت لا يزول سريعاً؛ ويدخل تحته تلوين محيط الشِّفاه، أو محيط الحواجب، أو إصلاح عيوب لون الجلد، باستخدام إبرة مُعقَّمة، وتزول آثار هذا النوع من الوشم بعد مدّة أقصاها ثلاث سنوات، ويُعرَف باسم درموغرافي، أمّا الحُكم الفقهي لهذا النوع من الوشم فهو التحريم، ودليل ذلك من القرآن الكريم، قول الله تعالى: (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ)،
[٧] فالوشم يُعدّ من تغيير خلق الله، ودليل السنة النبوية قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لعَنَ اللهُ الواصلةَ والمستوصِلةَ، والواشمةَ والمستوشِمة)،
[٤] فاللعن لا يكون إلّا على ما هو مُحرَّم. وشم مُؤقّت يزول سريعاً؛ مثل: وشم الحناء، والطبع على الجلد، والحكم الفقهي لهذا النوع هو الجواز؛ لسهولة إزالته بالماء، وقد ذكر الإمام الصنعاني ما يتعلّق بذلك، حيث قال: (ولا يُقال إنّ الخضاب بالحناء تشمله علّة التحريم، وإن شملته فهو مخصوص بالإجماع، وبأنّه قد وقع في عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم، بل أمر بتغيير بياض أصابع المرأة بالخِضاب، كما في قصّة هند)، أمّا الطبع على الجلد فقد ذكر أحد العلماء المعاصرين بكراهته؛ لأنّه تشبّه بأصحاب الوشم. الحِكمة من تحريم الوشم أثبتت الاكتشافات العلميّة أنّ الوشم يعود على صاحبه بالضَّرر بعد فترة من حقن الوشم في الجلد؛ حيث يُنتج الجسم مواد مضادّةً ترفض المادة المحقونة، الأمر الذي يتسبّب بحدوث تشوُّهات في مكان الوشم، وعند الرغبة بإزالة الوشم، فإنّه يتم حفر الجلد، أو إزالة الوشم بعمليّة جراحيّة، الأمر الذي يؤدي أيضاً إلى حدوث تشوهات، ومن ناحية أخرى فإنّ الموادّ المُستخدَمة في الحقن هي موادّ كيماويّة تنتج عنها الحساسية، والتهيُّجات، والتشقُّقات الجلديّة.
[٨] وقد اختلف الفُقَهاء في الحكمة من تحريم الوشم، فقيل: لأنّ فيه إخفاءً للعيوب وغِشّاً وتزييفاً؛ للحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: (لعن اللهُ الواشماتِ والمُستوشماتِ، والنامصاتِ والمُتنمِّصاتِ، والمُتفلّجاتِ للحُسنِ المُغيِّراتِ خلقَ اللهِ)،
[٩] وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الحكمة من تحريم الوشم هي عدم تغيير خلق الله تعالى، ولِما في الوشم من تعذيبٍ لجسم الإنسان دون حاجةٍ أو ضرورةٍ لذلك، واستدلّ جمهور الفقهاء بقول الله تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)،
[١٠] ووجه الدلالة من الآية الكريمة، أنّ المقصود بتغيير خلق الله هو: الواشم، وقال بهذا الصحابيّ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحسن البصري
0 التعليقات:
إرسال تعليق