About

الأربعاء، 17 يوليو 2019

مشروعية التعامل في سوق الأوراق المالية: حكم التعامل في البورصة


سوق الأوراق الماليّة 

والبورصة عُرِفت الأسواق التجاريّة منذ قرونٍ عدّة؛ ففي هذه الأسواق يتمكّن التُّجار من عرض بضاعتهم، وترويجها، وتحفيز النّاس على شرائها حتّى ولو لم يرغبوا بذلك. بعد أن ازدهرت التّجارة وتوسّع التّعامُل التجاريّ بين البشر ليشمل نواحي الحياة الاقتصاديّة منها والإداريّة كافّةً، ودخلت في التّجارة سِلَعٌ يصعب عرضها في أسواق تجاريّة مُحدَّدة المناطق، أو سِلَع غير ملموسةٍ، مثل: الأسهُم، والسّندات، والخدمات، والشّراكات، والعلامات التجاريّة؛ ظهرت الحاجة إلى إيجاد أسواقٍ لعرض تلك المُنتَجات غير الملموسة، فما هي الأوراق الماليّة والبورصة، وما هي نظرة الشّريعة الإسلاميّة لها، وما الحكم الفقهيّ للتّعامل بها؟ معنى الأوراق الماليّة والبورصة الأوراق الماليّة والبورصة هي: أوراقٌ ومصكوكات تُصدِرها هيئاتٌ حكوميّةٌ، أو مدنيّةٌ عامّةٌ أو خاصّة، مثل: الشّركات والمُؤسَّسات الحكوميّة والخاصّة عموماً؛ بهدف تحريك الاستثمار في هذه الشّركات، وإيجاد سُيولةٍ ماليّةٍ فيها، وتحمل هذه الأوراق صفة التّداول؛ بحيث تقبل البيع والشّراء في أيّ وقتٍ مباشرةً مثلما يُباع النّقد ويُشترى، وهي تُمثّل حقّاً ماليّاً واقتصاديّاً لمالكها لدى الهيئة المُصدِرة لها، وتصدر عادةً بالقِيم نفسِها، ومن أبرز تلك الأوراق الماليّة: الأسهُم، والسّندات.

[١] ويمكن تعريف الأسواق الماليّة والبورصة أيضاً بأنّها: نشاطٌ يعتمد على شراء الأسهُم والسّندات وبيعها ضمن مستوىً عامٍّ ثابتٍ يوميّاً، وتُعرَّف على أنّها المكان أو الوسيلة التي يتمّ بها الجمع بين الطّلب على الأموال وعرضها؛ سواءً كان ذلك عن طريق الاتّصال المباشر، أو الاتّصال غير المباشر، وذلك عن طريق السّماسرة أو الشّركات العاملة في هذا المجال.

[٢] حُكم التّعامل في سوق الأوراق الماليّة والبورصة الأصل في المُعامَلات جميعها الجواز ما لَم يرِد نصٌّ شرعيٌّ يدلُّ على تحريمها؛ وبناءً على ذلك تكون المُعامَلات الماليّة جميعها جائزةً إلا ما ورد النصُّ الصّريح الصّحيح بتحريمها، أو استُدِلَّ على تحريمها بالقياس أو الاجتهاد المبنيّ على أساس صحيح؛ فالحُرمة في المُعامَلات استثناء، ولأنّ الأسواق التجاريّة هي ممّا استُحدِث في المُعامَلات المُعاصرة، ولم يكن لها صورةٌ يتعامل بها الصّحابة في السّابق، فإنّه لم يرد لها حكمٌ صريحٌ بالجَواز أو الحُرمة عند الفقهاء، إلا أنّها تبقى على الأصل الذي عليه المعاملات الماليّة كلّها؛ وهو الإباحة؛ فالأصل في الأسواق الماليّة والبورصة والشّركات المُساهِمة بأشكالها وأنواعها جميعها هو الجواز، شريطةَ أن تكون خاليةً ممّا يقلب الحُكم الشرعيّ لها إلى الحُرمة.[٣] وممّا يقلب الحُكم الشرعيّ للمُعاملات الماليّة إلى الحُرمة: الرِّبا، والغشّ، والاحتكار، والخِداع، والغبن، والغرر، وينحصر ذلك على التّعامل بالأسهُم فقط، أمّا السّندات التي هي الجزء الشّائع في الأسواق الماليّة بعد الأسهُم فهي في حقيقتها قروضٌ طويلة الأجَل، تتعهّد الشّركة المُقترِضة بموجبها أن تُسدِّد القيمة التي أخذتها من المُساهِم في أوقات مُحدَّدة مُسبَقاً، مع زيادة فائدةٍ ماليّةٍ مُتَّفَق عليها بينهما بموجب صكّ اكتتاب، فيكون لكلّ جزءٍ من هذين الشقَّين في الأسواق الماليّة حُكمٌ مُستقلٌّ بناءً على الصّورة العمليّة له، وفيما يأتي بيان ذلك

:[٣] حكم التّعامل بالأسهُم التجاريّة-الشّركات المُساهِمة يرى غالبيّة العلماء المُعاصِرين مشروعيّة التّعامل بالأسهُم التجاريّة بيعاً وشِراءً وفقَ ضوابط وشروطٍ مُعيَّنةٍ، وممّن قال بذلك: الشّيخ محمّد بن إبراهيم، وعبد العزيز بن باز، وابن عُثيمين، وعبد الرزّاق عفيفي، والشيخ عبد الله المنيع، وغيرهم الكثير من علماء العصر المُعتَبَرين، ومن الشّروط التي يجب توفّرها في الأسهُم حتّى تكون مُباحَةً، ما يأتي:

[٣][٤] أن تكون الأسهُم المنويّ بيعها وشراؤها صادرةً عن شركات ذات أعمالٍ تجاريّةٍ مشروعة؛ لا تتعامل إلا بما هو مُباحٌ شرعاً، مثل: شركات الأدوية، والأغذية المُباحة، والملابس، ومشتقّات النفط، وغير ذلك، أمّا إذا كانت أعمالها مُحرَّمةٌ مثل: شركات بيع الخمر وإنتاجه، أو تتعامل بمشتقّات الخنزير؛ فمثل هذه الشّركات لا يجوز تداوُل أسهُمها عند المسلمين اتّفاقاً. ألّا يترتّب على التّعامل بالأسهُم الوقوع في المحظورات الشرعيّة، مثل: الغرر؛ وهو الجهالة بالشّيء وحقيقته، بالإضافة إلى الرِّبا، وأكل أموال الناس دون وجه حقٍّ، ومثال تلك الأسهم المُحرَّمة اتّفاقاً ما يُعرَف بأسهم الامتياز؛ حيث تُعطي هذه الأسهم صاحبَها حقّ الحصول على أرباح ثابتةٍ؛ سواءً أربحت الشّركة أم خسرت، وذلك عين الرّبا المُحرَّم، ويحرم كذلك التّعامُل بأسهُم التمتُّع التي تُعطي صاحبَها حقّ الرّبح دون أن يكون شريكاً فعليّاً في الشّركة، لا من حيث المُساهمة في رأس المال ولا حتّى الجهد، ويُعدّ ذلك من أكل أموال النّاس بالباطل. يرى بعض العلماء حُرمة التّعامل بالأسهُم التجاريّة، وممّن ذهب إلى ذلك: الشّيخ تقي الدّين النبهانيّ، والشّيخ عيسى عبده، وقد دلّلا على ذلك بعددٍ من الأدلّة، منها: أنّ التّعامُل بالأسهُم يخلو من كونه عقداً بين طرفَين؛ لعدم وجود صيغة عقد، ويخلو من الإرداة المُعبّرة عن مراد العاقد في إنشاء العقد أو عدم إنشائه، فيكون تصرُّفاً بما لم تثبت إرادة العاقد فيه. حُكم التّعامل بالسّندات ذهب أغلب العلماء المُعاصِرين إلى أنّ التّعامل بالسّندات مُحرَّمٌ شرعاً؛ لأنَّ السّندات في حقيقتها إنّما هي قروضٌ ربويّة بفوائد مُحدَّدة، وقد أشار إلى ذلك مجمع الفقه الإسلاميّ في الدّورة السّادسة منه، وهو رأي السّواد الأعظم من عُلماء العصر، بينما خالف بعض العلماء في ذلك وأجازوا التّعامل بالسّندات، وقد قاسوها على شركة المُضارَبة المشروعة؛ حيث لم يرد فيها نصٌّ من القرآن أو السُّنة، ولا حتّى في فعل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أو تقريره لأفعال الصّحابة، إنّما أُخِذَت من عمل الصّحابة، فاستبط الفقهاء لها أحكاماً وتفاصيلَ، ومِمّن قال بذلك: الشّيخ علي الخفيف، ومحمد سيّد طنطاوي، والدكتور أحمد شلبي، والشيخ محمد الغزاليّ

0 التعليقات:

إرسال تعليق