العمرة
تُعرّف العمرة لغةً على أنها القصد إلى مكان عامر،[١] أما اصطلاحاً فتُعرف على أنها عبادة الله -تعالى- من خلال الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والتحلّل بالحلق أو التقصير، وتجدر الإشارة إلى فضائل العمرة، حيث إن العمرة سبب لنفي الفقر والذنوب، مصداقاً لما رُوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ)،[٢] بالإضافة إلى أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها من الذنوب، مصداقاً لما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا)،[٣] والعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي عليه الصلاة والسلام، مصداقاً لما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لامرأة من الأنصار: (ما مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي معنَا؟، قالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إلَّا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابنُهَا علَى نَاضِحٍ وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عليه، قالَ: فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فإنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً).[٤][٥]
وقد اختلف فقهاء المذاهب في حكم العمرة، حيث قال الشافعية والحنابلة بوجوبها، بينما قال الأحناف والمالكية باستحبابها لا بوجوبها، بل هي سنّة، واستدل الحنابلة والشافعية على رأيهم بالوجوب بقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّـهِ)،[٦] وقالوا بأن الأمر بالإتمام يعني فعل الشيء كاملاً تاماً، وهذا يدل على الوجوب، أما الأحناف والمالكية فاستدلوا على رأيهم بعدم ذكر العمرة في الآيات التي دلت على فرضية الحج، كقول الله تعالى:(وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)،[٧] كما لم يرد ذكر العمرة في الأحاديث الصحيحة التي بيّنت قواعد الإسلام، مما يدل على أن العمرة ليست واجبة وأن حكمها ليس كحكم الحج. [٨]
كيفية أداء العمرة بالتفصيل
حتى تُقبل العبادة عند الله -تعالى- سواءً كانت عمرة أو غيرها من العبادات، ينبغي توفر شرطين وهما الإخلاص، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال تعلم هدْيه في أداء العبادة، وتجدر الإشارة إلى أن العمرة تشتمل على أربع خطوات، وهي: الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير، وفيما يأتي بيانها.[٩]
الإحرام
ويتم الإحرام بالنية التي محلها القلب، والعزيمة على أداء النسك تقرباً وطاعةً لله تعالى، وقد بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مواقيت الإحرام، وهي: ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام ومصر والمغرب، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق، وقرن المنازل لأهل الخليج وما حولهم، فعند وصول المعتمر لميقاته يُستحب له الاغتسال، والتطيب، ثم يقوم بخلع ملابسه وارتداء إزار ورداء أبيضين، وينتعل نعلين أو خفين إن لم يجد، ثم يعقد النية ويجهر بالنسك فيقول: "اللهم لبيك عمرة"، ثم يجهر بالتلبية، حيث يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد، والنعمة، لك والملك، لا شريك لك"، أما المرأة فتُحرم بما تيسّر لها من الملابس مع اجتناب الزينة والتشبه بالرجال، ولا ترتدي القفازين ولا النقاب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ)،[١٠] ثم تشرع بالتلبية ولكن من غير أن ترفع صوتها بالتليبة.[١١]
الطواف بالبيت
عند وصول المسجد الحرام يُستحب للمعتمر الدخول بالقدم اليمنى، وقول: "بِسمِ اللَّهِ والسَّلامُ علَى رسولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغفِر لي ذُنوبي وافتَح لي أبوابَ رحمتِكَ"، ثم يتوجه إلى الكعبة المشرفة ليبدأ بالطواف، ويُستحب للرجل عند البدء بالطواف الرمل؛ وهو المشي السريع مع مقاربة الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى، ويستحب له أيضاً الإضطباع؛ وهو كشف الكتف الأيمن بوضع طرفي الرداء على الكتف الأيسر ووسطه تحت الكتف الأيمن، ثم يتوجه إلى الحجر الأسود ويستلمه بيده اليمنى، أي يمسحه بيده اليمنى ويقبله ليبدأ بالطواف، فإن لم يستطع تقبيله فيستلمه بيده ويقبله، فإن لم يتيسر ذلك يشير إلى الحجر الأسود بيده ويكبر، وينبغي الإشارة إلى عِظم فضل استلام الحجر الأسود، مصداقاً لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحجر الأسود: (ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ).[١٢][٩]
بعد ذلك يبدأ بالطواف جاعلاً الكعبة عن يساره، وعند وصول الركن اليماني يُستحب استلامه من غير تكبير ولا تقبيل، فإن لم يتيسر ذلك بسبب الزحام فلا بأس بتركه، ويقرأ بين الركن اليماني والحجر الأسود، قول الله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)،[١٣] ويُشرع خلال الطواف الدعاء، وذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، وكلما مرّ بالحجر الأسود يستلمه ويكبر، وبعد تمام الطواف بسبعة أشواط، يُستحب التوجه إلى مقام إبراهيم وقراءة قوله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)،[١٤]ثم صلاة ركعتين خلف المقام، وقراءة سورة الكافرون في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون، وفي الثانية الإخلاص، ثم الرجوع لاستلام الحجر الأسود إن تيسر ذلك.[٩]
السعي بين الصفى والمروة
بعد الانتهاء من الطواف يتم التوجه إلى الصفا والوقوف عنده، ويُستحب الصعود عليه إن تيسر ذلك، وقراءة قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ)،[١٥] إلى آخر الآية، ويُسن التوجه إلى القبلة وتكبير الله وحمده، ثم يتوجه إلى المروة، وعند المرور بالعلم الأخضر يُستحب للرجل الإسراع بالمشي إلى أن يصل العلم الآخر، وعند الوصول إلى المروة يتم الوقوف عنده، ويُستحب الصعود عليه إن تيسر ذلك، وتكرير الأقوال والأفعال التي سبق القيام بها عند الصفا، ثم العودة إلى المروة والإسراع في المشي بين الأعلام الخضر، ويُشرع أثناء السعي الدعاء والذكر بما تيسر، حتى يتم سبعة أشواط، فالذهاب من الصفا إلى المروة شوط، والعودة شوط آخر، ولا حرج في السعي ركوباً لا سيما عند الحاجة.[١٦]
الحلق أو التقصير
بعد الانتهاء من السعي بين الصفا والمروة يتوجه المعتمر للحلق أو التقصير، ويجب أن يشمل الحلق أو التقصير جميع الرأس للرجل، أما المرأة فتقصّر من شعرها بقدر أنملة،[٩] ويُفضل الحلق على التقصير لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا بالرحمة والمغفرة ثلاثاً للمحلّقين، ومرة احدة للمقصّرين، إلا في حال كانت العمرة في فترة قريبة من الحج ونوى المعتمر الحج، فيُفضل التقصير حتى يُتاح الحلق في الحج.[١٧]
0 التعليقات:
إرسال تعليق