About

الأربعاء، 17 يوليو 2019

ما هي غزوة الفرقان



الحرب بين الحقّ والباطل

 إنّ من سُنن الله -تعالى- في الكون أن يبقى الحقّ والباطل في صراعٍ إلى يوم القيامة، فلا شكّ أنّ الباطل وأهله لا يقبولن أن يكون للحقّ قوّة وسيطرة، وأن يحكم أهله الدّول ليسود العدل والسلام؛ لأنّهم يرون أنّ في ذلك زعزعةً للمصالح الشخصيّة القائمة على ظلم الناس وإفشاء الجهل والحروب، وفي المقابل فإنّ الحقّ وأهله لا يمكن أن يرضخوا للمحاولات الباطلة وأن يتركوا عامّة الناس الآمنين يتعرّضون للظلم والإهانة والعذاب، فيبقى بذلك الصّراع قائماً إلى يوم القيامة، وإتماماً للسُنّة الكونيّة فقد وعد الله -تعالى- عباده المسلمين أن تكون قوّتهم مؤيّدة منه، وأن يعزّهم بنصره إذا أخلصوا عملهم له واستعانوا به حقّ الاستعانة، حيث قال: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).[١] غزوة الفرقان غزوة الفرقان هي غزوة بدر الكبرى، وقد سمّاها الله -تعالى- غزوة الفرقان، وذكر ذلك في القرآن الكريم، حيث قال: (إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير،[٢] وقد سمّيت بهذا الاسم لأنّها كانت موقفاً فاصلاً بين الحقّ والباطل؛ أيّ بين المسلمين والمشركين، وهذا الاسم يدلّ على أنّها كانت معركة مهمّة بأحداثها ونتائجها، فقد فرّقت بين عهدين امتدّ أحدهما ما يُقارب خمسة عشر سنة، فكان المسلمون يتحمّلون فيها العذاب والتنكيل والطرد والشّتم من قريش، وكان هدف هذه المرحلة تثبيت العقيدة والإيمان في قلوب المسلمين، والمرحلة الثانية التي كانت بعد الهجّرة إلى المدينة المنوّرة، وكان هدفها إرساء قواعد دولة إسلاميّة منظّمة في شؤونها الداخليّة وقادرة على ردع أي اعتداء خارجيّ، وكذلك فإنّ غزوة الفرقان كانت فارقاً وفاصلاً بين نوعين من أنواع الدّعوة، أحدهما هو أسلوب الصّبر واللين وتحمّل الأذى في سبيل نشر الدعوة الإسلاميّة، والآخر هو التجهّز العسكريّ وإعداد العدّة للمواجهة الحربيّة.[٣] أحداث غزوة الفرقان وقعت غزوة الفرقان في السّابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجّرة؛ حيث كانت قافلة لقريش على رأسها أبي سفيان خارجةً إلى الشّام للتجارة حين أرسل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عدداً من أصحابه لمحاولة قطع الطريق عليها، لكنّ القافلة أفلتت من بين يديه، وحين سمع أبو سفيان بخبر مراقبة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- لقافلته أرسل خبراً لقريش حتى يتجهّزوا ويدافعوا عنها في حال هجم عليهم المسلمون في طريق العودة، وتتبّع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أخبار القافلة وهي عائدة من الشّام إلى مكّة، واختار ثلاثمئة وثلاث عشر رجلاً لملاقاتها، وجهّز المشركون جيشاً يضمّ ألف مقاتل تقريباً مجهّزين لملاقاة المسلمين.[٤] غيّر أبو سفيان طريق القافلة فنجت ولم يلحق بها أي أذى، فأرسل إلى أبي جهل بأنّ القافلة والأموال التي خرجتم دفاعاً عنها قد نجت ليعودوا إلى مكّة، لكنّ أبا جهلِ رفض ذلك وتغنّى بنصره المنشود على المسلمين ونوى ملاقاتهم، وعندما تأكّد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ القافلة قد أفلتت منه تردّد في ملاقاة جيش المشركين، وخاصّة عندما علم أنّ عددهم يُقارب الألف، وأنّهم مجهّزون بالأسلحة والأحصنة، بينما لم يكن المسلمون مسّتعدّين بالعدّة الكاملة، لأنّهم تجهّزوا لقطع الطريق على القافلة التجاريّة، فشاور النبيّ -صلّى الله علسه وسلّم- أصحابه بذلك، واستعدّوا لأمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، فاتّخذ قراره، بملاقاة المشركين، وزحف كلّ جيش نحو الآخر دون العلم بالمكان المحدّد للملاقاة، حتى التقى الجيشان عند بئر بدر.[٤] التحم الصفّان وأبلى المسلمون حينها بلاءً حسناً في ملاقاة أعدائهم، فقُتل أبو جهل والعديد من بطون قريش ووجهائها، وانتصر المسلمون بعد أن مدّهم الله -تعالى- بمددٍ من الملائكة ليضربون أعدائهم، قال الله تعالى: (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ*وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)،[٥] وقال أيضاً: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ).[٦][٤] الدروس المستفادة من غزوة الفرقان كان من نتائج غزوة الفرقان دروساً عظيمة تلقّاها المسلمون ممّن شهد الغزوة، منها:[٧] تثبتت حقيقة الإيمان في قلوب المسلمين عندما واجه المسلمون بعضاً من أهلهم وأقربائهم من المشّركين، فقتل عمر بن الخطّاب خاله العاص بن هشام، كما قتل حمزة وعليّ وعبيدة بن الحارث أبناء عمّهم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. تنبيه المسلمين إلى ضرورة عدم الالتفات إلى الجانب الماديّ في القضايا الكبرى في حياتهم، فنزلت بعد غزوة بدر آيات تنظّم تقسيم الغنائم وأموال فدية الأسرى رغم الفقر والحاجة. التّأكيد على أنّ الدّعاء والالتجاء إلى الله -تعالى- من أعظم أسباب النصر، قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ).[٨] التّأكيد على أنّ الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب تحقيق النّصر، قال الله تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ).[٩] التّأكيد على المسلمين بأنّ الجهاد من أعظم الأعمال عند الله تعالى، وهو سبب لعلوّ الدّين وتمكين التّوحيد في الأرض. طمأنة المسلمين أنّ الله -تعالى- يدعم ويُعين المسلمين كرامةً لهم، فكان نزول الملائكة إلى الأرض وقتالها مع المسلمين.


0 التعليقات:

إرسال تعليق