الحج فرض الله تعالى الحجَّ على عباده المسلمين، وجعله ركناً من أركان الإسلام التي يبنى عليها، وجعل أداءه فرض عينٍ على كلِّ مسلمٍ مستطيعٍ قادرٍ عليه، كما جاء في قوله تعالى: (...وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،
[١]
والحجُّ كما يعرِّفه الفقهاء، قصد بيت الله الحرام وجبل عرفة في أيامٍ معلومةٍ، لأداء مناسك وأعمال محدَّدةٍ، وفق شروطٍ وهيئاتٍ مخصوصةٍ مع النِّيَّة، وتُجمَل هذه الأعمال المحدَّدة وفق جمهور الفقهاء بالوقوف بعرفة، والطَّواف بالكعبة، والسَّعي بين الصفا والمروة.
[٢]
أنواع نسك الحج إنَّ المسلم إذا أراد الحجَّ وخرج لأدائه، لا بُدَّ من أن يحدِّد ويقصد نسكاً معيَّناً من أنواع النُّسك الثلَّاثة التي يختار الحاجُّ أحدها، وهي التَّمتُّع وصورته أن يُحرِم الحاجُّ بالعمرة وحدها في أشهر الحجِّ، وعند وصوله مكَّة المكرَّمة يطوف طواف العمرة ويسعى سعيها، ويتحلَّل من إحرامه ويعود ليجدِّد إحرامه للحجِّ في يوم التَّروية؛ أي اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة، أمَّا النوع الثاني من أنواع النُّسك فهو القِران وهو الجمع بين العمرة والحجِّ والإحرام لكليهما معاً، ويقول حين يلبّي بعد إحرامه: (لبيك اللهم عمرةً وحجَّاً)، وأمَّا النَّوع الثالث من النُّسك فهو الإفراد وصورته أن يُحرِم الحاج للحجِّ فقط في أشهر الحجِّ، ويشترك نسكا التَّمتع والقِران بأنَّ على من اختارهما من الحجَّاج ونوى أحدهما أن يذبح الهدي وجوباً، في حين أنَّ ذبح الهدي ليس واجباً في حقِّ من اختار الإفراد وأحرم به، كما أنَّ القارن والمفرد يبقيان على إحرامهما عند دخول مكَّة، في حين أنَّ المتمتِّع يتحلَّل من إحرامه بعد طواف والسعي العمرة ويجدِّد الإحرام للحج في اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة كما سبق الذِّكر.
[٣]
خطوات الحج بالتفصيل أمَّا عن خطوات الحجِّ وكيفيَّة أدائه، فيمكن إجمالها بالآتي:
[٤]
يوم التروية هو اليوم الثَّامن من شهر ذي الحجَّة، وفي هذا اليوم يقوم من كان من الحجَّاج متمتِّعاً أو من كان من أهل مكَّة بالإحرام من مكانهم، ثمَّ ينطلق الحُجَّاج جميعهم إلى مِنى في صبيحة هذا اليوم، ويصلُّون فيها الظُّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، قصراً للرباعيَّة منها، أي جميعها باستثناء المغرب، بلا جمع بل كلُّ صلاةٍ في وقتها، ويبيتون فيها ليلتهم، والمبيت فيها سُنَّةٌ، فمن لم يأت مِنى ولم يبت فيها، وقدم في اليوم التالي إلى عرفة فلا حرج عليه وحجُّه صحيح؛ لأنَّ المبيت في مِنى سنَّةٌ من سنن الحجِّ وليس من واجباته. يوم عرفة في يوم عرفة، وهو اليوم التَّاسع من ذي الحجَّة، ينزل الحجَّاج في صبيحة هذا اليوم إلى عرفة ويتهيئون للوقوف على جبل عرفة، وينشغلون بالذِّكر والتَّلبية، وعند زوال الشَّمس ودخول وقت الظُّهر، يصلي الحجَّاج الظُّهر والعصر قصراً وجمع تقديم، ويقفون بعد أداء الصَّلاة بجبل عرفة وينشغلون بالذِّكر والدعاء ومناجاة الله تعالى، ولا يُسنُّ للحجَّاج صيام يوم عرفة كما هو الحال في حقِّ غيرهم من المسلمين، ويستمرّ وقوفهم بعرفة حتى غروب شمس هذا اليوم، والوقوف بعرفة يعدُّ ركناً من أركان الحجِّ، وبفواته يفوت الحجَّ، ودليل ذلك قول النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: (الحجُّ عرفةَ فمَن أدرك ليلةَ عرفةَ قبل طلوعِ الفجرِ من ليلةِ جمعٍ فقد تمَّ حجُّهُ).
[٥]
النفرة إلى مزدلفة بعد غروب شمس يوم عرفة، ينفر الحجَّاج إلى مزدلفة، وهي المشعر الحرام وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّ الحجَّاج يزدلفون إليها من عرفة، فإذا وصل الحجَّاج إلى مزدلفة فإنَّهم يصلون المغرب والعشاء جمع تأخيرٍ ويقصرون العشاء، ويبيتون ليلتهم فيها، وينشغلون سواء أثناء طريقهم إليها أو عند مكثهم فيها بالدُّعاء والذِّكر والتَّلبية، فإذا حلَّ الفجر صلَّوا الفجر أول وقتها قبل أن يعودوا إلى مِنى مرَّة أخرى. اليوم العاشر من ذي الحجة هو يوم العيد، فبعد أن يؤدي الحجَّاج صلاة الفجر في مزدلفة ينطلقون إلى منى، فإذا وصلوا مِنى شرعوا في رمي الجمرة الكبرى أو جمرة العقبة بعد طلوع الشَّمس وارتفاعها، ويأتي الحُجَّاج بالحصى الذي يرمونه من مزدلفة أو أثناء طريقهم إلى مِنى، ويرمي الحجَّاج في هذا اليوم بسبع حصياتٍ كلُّ حصاةٍ على حِدى، أي لا يرميها دفعةً واحدةً، ويكبِّر قبل كلِّ رميةٍ، ثمَّ ينحر الهدي من كان لازماً في حقِّه الهدي وهم من كان من الحجَّاج متمتِّعاً أو قارناً، أمَّا غيرهم من الحجَّاج فذبح الهدي في حقِّهم تطوّعٌ وليس واجباً، ثمَّ يقوم الحجَّاج بحلق رؤوسهم أو التَّقصير فيتحلَّلون بذلك التَّحلُّل الأول الذي يُبيح لهم ما كان محظوراً عليهم في ما عدا مباشرة النِّساء، ثمَّ ينزل الحجَّاج إلى مكَّة، فيطوفون طواف الإفاضة، ويسعى بين الصَّفا والمروة من لم يسعَ منهم أوّل وصوله لمكة، وبعدها يتحلَّلون التَّحلُّل الثَّاني الذي يبيح لهم كلُّ ما كان محظوراً عليهم بما فيه مباشرة النِّساء، ويجوز عند جمهور العلماء تأخير ذبح الهدي وطواف الإفاضة إلى ما بعد اليوم العاشر، لكنَّ الأَولى أداؤهما في اليوم العاشر وعدم تأخيرهما. أيام التَّشريق الثلَّاثة هي أيام الحادي عشر، والثَّاني عشر، والثَّالث عشر من ذي الحجَّة، وسبب تسميتها بأيام التَّشريق عائدٌ إلى أنَّ النَّاس كانوا يشرِّقون لحوم الهدي والأضاحي؛ أي ينشرونها في الشَّمس لتجفَّ، وقد ورد ذكر هذه الأيام في قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)،
[٦]
فبعد زوال الشمس، أي دخول وقت الظُّهر، من يومي الحادي عشر والتَّاني عشر، يرمي الحُجَّاج في كلِّ يومٍ من هذه الأيام بجمراتٍ ثلاثةٍ هنَّ: الجمرة الصُّغرى التي تلي مِنى، والجمرة الوسطى، والجمرة الكُبرى، ويرمي في كلِّ واحدةٍ من هذه الجمرات بسبع حصياتٍ، ويكرِّرون الأمر ذاته في اليوم الثَّالث عشر لمن لم يكن من الحجَّاج متعجِّلاً، أمَّا من تعجَّل ولم يمكث لليوم الثالث عشر فلا حرج ولا إثم عليه، ومن لم يقم من الحجَّاج بذبح الهدي وطواف الإفاضة في اليوم العاشر فعليه القيام بهما في أيام التَّشريق، وآخر ما على الحجَّاج فعله، الطَّواف بالكعبة طواف الوداع قبل مغادرته مكة؛ كي يكون آخر عهده بمكَّة الطواف بيت الله، كما روي عن النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: (لا ينفرنَّ أحدٌ، حتَّى يَكونَ آخرُ عَهْدِهِ بالبيتِ).
[٧]
حكمة تشريع الحج يَقصد البيت الحرام في أشهر الحجِّ من كلِّ عامٍ ملايين من المسلمين من شتى البلاد والبقاع؛ لأداء مناسك الحجِّ، وفي أداء هذه الفريضة العظيمة، معانٍ ومقاصد جليلة تتجلّى في بيان تمام التَّسليم لله تعالى والاستجابة لأمره بأداء هذه المناسك وتمام الخضوع والتذلُّل له سبحانه؛ بترك الحجَّاج لمتاع الدُّنيا وزينتها والوقوف بأبسط هيئةٍ بين يدي الله تعالى أثناء أداء المناسك، كما أنَّ في أداء الحجِّ تحقيقاً لشكر الله تعالى على نعمه عامَّة ونعمتي المال والصِّحة والعافية خاصَّة؛ فلو لم يتنعَّم الإنسان بهاتين النِّعمتين لما تمكَّن من أداء الحجِّ والقيام بمناسكه المتعدِّدة، ولا يغفل ما للحجِّ من فضلٍ في التقاء أعدادٍ حاشدة من المسلمين على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، ممَّا يعزِّز لديهم قيم ومعاني التَّآخي والتَّآلف، وأنَّهم رغم كلِّ ما بينهم من اختلافاتٍ سواءٌ أمام الله تعالى في التَّكليف بالعبادة والطاعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق