غزوة الأحزاب
وقعت خلال فترة النبوّة العديد من الغزوات التي كان لها الأثر الأكبر في رسم معالم الأمّة الإسلاميّة، وقد حصلت الكثير من المعارك والغزوات وخاصّة في الفترة التي بعد هجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة وتأسيس الدّولة الإسلاميّة فيها، فالجهاد لم يكن مسموحاً في بداية الدّعوة الإسلاميّة، ففرض الجهاد بعد الهجّرة إلى المدينة المنوّرة وتشكيل قوةٍ وكيانٍ مستقلٍ للمسلمين، وقد كانت جميع المعارك بلا استثناء معارك فاصلة، ومن المعارك الفاصلة التي حدثت وأثّرت على الدّولة الإسلاميّة غزوة الأحزاب، فمتى كانت غزوة الأحزاب، وما هي تفاصيلها وأسبابها؟
تاريخ غزوة الأحزاب
وقعت غزوة الأحزاب في شهر شوّال من العام الخامس للهجّرة النبويّة الشّريفة، وقد طالت أحداثها وعظُمت ما بين حصارٍ خانقٍ ومواجهاتٍ بسيطةٍ، وكانت تلك الأيّام من أكثر الأيّام التي عاش فيها المسلمون أيّاماً عصيبة، فقد واجهوا جميع أعدائهم في معركةٍ واحدةٍ، فالكلُّ يحيك لهم ويكيد بهم، وحال المسلمين كان عسيراً لولا تدخّل العناية الإلهيّة لتنقلب الهزيمة إلى نصر في نهاية المعركة، وفيما يأتي بيان مجريات ووقائع معركة الأحزاب.[١]
أهمّ أحداث غزوة الأحزاب
كانت غزوة الأحزاب من أعظم المعارك التي قاتل فيها المسلمون، وقد تكاثر فيها المشركون عليهم وجمعوا لهم الجموع، ومن أبرز وأهمّ الأحداث والمُجريات التي حصلت في غزوة الأحزاب ما يأتي:[٢]
- اجتمعت ضدّ المسلمين في غزوة الأحزاب قبيلة قريش، وقبيلة غطفان، وبني سُليم وغيرها من قبائل العرب، وكان عدد المشركين في هذه الغزوة يصل إلى عشرة آلاف مقاتل، أمّا عدد المقاتلين من المسلمين فقد وصل إلى ثلاثة آلاف مقاتل.
- حفر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الخندق ليمنع جيش المشركين من الوصول إلى المدينة المنوّرة، ثمّ قسّم جيش المسلمين لحراسة أهمّ النقاط في ذلك الخندق، ولمواجهة من يُقدم على اقتحام الخندق من الأعداء، وقد تفاجئ المشركون بهذه الخُطّة الجديدة بالنسبة للعرب، ووقفوا أمامها عاجزين لا حِيلة لهم.
- حاول المشركون اختراق الخندق أو العبور منه بكلِّ شراسةٍ، إلّا أنّ نبال المسلمين كانت لهم بالمرصاد، وقد تكرّرت محاولاتهم عدّة مراتٍ حتى نجح بعضهم في عبور الخندق؛ منهم: عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن عبد ودّ، وضرار بن الخطّاب، فقاتلهم المسلمون وحصلت مبارزة بين عمرو بن ودّوعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- حتى قُتل عمرو، وهرب من كان معه من المشركين.
- استمرّت محاولات المشركين في اختراق الخندق إلّا أنّها باءت بالفشل، حتّى إنّ بعض المواجهات كانت تطول فتبدأ بعد العصر ولا تنتهي إلّا بعد المغرب.
- استمرّت المواجهات بين المسلمين والمشركين حتى وصلت مدّة الحِصار لأكثر من شهر، وقد لاقى المسلمون فيها موقفاً صعباً، ولكنّ المشركين أصابهم التّعب والإرهاق واليأس؛ بسبب صمود المسلمين وعدم قدرتهم على اختراق الخندق، وقد قال الله تعالى: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ).[٣]
- قام يهود بني قريضة بخيانة المسلمين وخيانة العهد الذي بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان ذلك بتخطيطٍ وتنفيذٍ من حُيي بن أخطب، أمّا نقضهم للعهد فتمثّل بأمرين رئيسين؛ أوّلهما: فتح الباب الذي يؤدي إلى المدينة المنوّرة للمشركين، والثاني: المشاركة مع قريش في القتال ضدّ المسلمين.
- كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- منتبهاً لخيانة اليهود ومدركاً لخطر ذلك، فوضع العيون لمراقبة تحرّكاتهم حتى جاء الخبر بأنّهم نقضوا العهد، وبأنّهم على وشك القتال مع المشركين ضدّ المسلمين، فلمّا تحقّق النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من خيانتهم أصابه الغمّ والحُزن وأمعن النّظر في واقع الحال الذي آلت إليه المعركة.
- فكّر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في نقض الشراكة القائمة بين قريش وغطفان، وقد عقد اجتماعاً سريّاً مع أسياد قبيلة غطفان، فعرضوا عليه أن يأخذوا ثلث ثمارالمدينة المنوّرة مقابل تركهم لحِلف قريش، وقد استحسن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك، ثمّ عَرَضه على زعيمي الأوس والخزرج، وهما: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فوافقاه في بداية الأمر.
نهاية معركة الأحزاب ونتائجها
تسارعت الأحدث في غزوة الأحزاب بعد الحصار الشديد الذي عانى منه المسلمون، وقد كانت المراحل التي مرّت بها المعركة على النحو الآتي:[٢][٤]
- بعد أن قَبِل زعيمي الأوس والخزرج بعرض غطفان عاد سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وعرض على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عرضاً آخر، وقبل ذلك سأله إن كان الأمر الذي رآه النبيّ أمر إلهيّ لا يقبل التغيير، أم أنّه رأي فرديّ، فلمّا عَلِم أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- اجتهد في ذلك الأمر ليُزيل عن المدينة وأهلها خطر الأحزاب من قريش وغطفان رفض سعد بن معاذ ذلك الاقتراح، ثمّ اقترح على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعدم قبول عرض غطفان، واستمرارهم في العزيمة والصّبر.
- رفض سعد بن معاذ أن تكون لغطفان الشّوْكة على المسلمين، فقد كانوا قبل الإسلام لا يأخذوا من المدينة شيئاً، وبعد أن جاء الإسلام أرادوا من خيرات المدينة، فيكون في ذلك نصراً مؤزّراً لغطفان، فقد كان موقف سعد بن معاذ -رضي الله عنه- موقفاً حكيماً، ينبع من عزّة المؤمن بالله والواثق بنصره.
- سُيّرت الحكمة الإلهية بعد ذلك لتنقلب مجريات الأمور، فأتى أحد قادة جيش المشركين مُعلناً إسلامه وهو نعيم بن مسعود، وطلب من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يأمره بما يجعل الموقف لِصالح المسلمين، فطلب منه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يُخفي أمر إسلامه ويأتيهم بأخبار قريش وحلفائهم.
- ذهب الصحابيّ نعيم بن مسعود إلى بني قريضة وأقنعهم بأنّ قريشاً ستنقلب عليهم إن هُزموا، وأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سينتقم منهم، ولن يقف معهم أحد من غطفان أو غيرها، فطلبوا منه الرأي؛ فأشار عليهم أن يطلبوا منهم رهائن مقابل نصرهم وتأييدهم لهم، فاقتنع بنو قريضة برأيه.
- توجّه نعيم بن مسعود -رضي الله عنه- إلى قريش وغطفان وأقنعهم بأنّ بني قُريضة نَدِموا على نقضهم لعهد النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأنّهم سيطلبون منهم رهائن مقابل وقوفهم معهم، ثمّ يبعثونها إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للتدلّ على صدق نَدِمهم.
- طلبت قريش النُّصرة والتأييد من بني قريضة، وطلب بنو قريضة الرّهائن من قريش كما أشار عليهم نعيم بن مسعود رضي الله عنه، فلمّا عَلِم المشركون بطلب بني قريضة قنعوا بما قاله نعيم، فدبَّ الخلاف بينهم وشاعت الفُرقة، ثمّ بعث الله -تعالى- الرِّيح، فاقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم، وأُلقي في قلوبهم الرُّعب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق